هي كما يقال في عندنا سيدة تخرج «الروح من الروح» لتكون في كل مرة شاهدة على ولادة انسان، تسمع صرخته الأولى ليتجسد امام عينها السر الإلهي في خلقه، فاطمة بوعامر واحدة من حرائر الأوراس الأشم رفضت الرضوخ للواقع ومارست مهنتها كقابلة في احدى المناطق النائية ولم تحبط عزيمها رائحة الموت التي طالما كانت عنوان الإرهاب سنوات التسعينيات.
يتردد اسم هذه القابلة على لسان زملائها وزميلاتها بالقطاع الصحي بخنشلة في كل مرة، لسرد مسيرتها المهنية المتميزة، شهادة إحدى النساء التي وضعت مولودها في البيت في إحدى قمم جبال بوحمامة في صحة جيدة بفضل هذه القابلة الشجاعة، رغم انها كانت مهدّدة بالموت في ظل بُعد المستشفيات وعدم قدرتها على التنقل وسط تضاريس المنطقة الصعبة والوضع الأمني في تلك السنوات، أثارت فضول «الشعب» للتعرف عليها عن قرب.
وصفتها السحرية لما قامت به هو حبها لمهنتها وإرادتها القوية ودعم والدها وزوجها لها ثم بناتها، حيث استطاعت السيدة «بوعامر فاطمة» زوجة فراق، من مواليد 17 أبريل 1972، ببلدية بوحمامة وأم لأربع بنات، رفع التحدي والصمود والوقوف في وجه الإرهاب وتحدي كل الصعاب كانعدام الوسائل المادية والبشرية، من أجل إنقاذ حياة المئات من الأمهات الحوامل وأطفالهن وهي تقوم بعملها كقابلة بالعيادة المتعددة الخدمات لدائرة بوحمامة بالمنطقة الجبلية لولاية خنشلة.
تدرجت بوعامر كباقي أطفال الجزائر في مختلف الأطوار التعليمية الى ان تحصلت على شهادة البكالوريا شعبة رياضيات، كان بإمكانها اختيار أي تخصص جامعي الا انها اختارت التدرج في الشبه الطبي لتتحصّل على شهادة دولة كقابلة سنة 1991، ما أهلها للالتحاق بالعيادة الطبية متعدّدة الخدمات ببلدية بوحمامة عند افتتاحها سنة 1994، في عزّ الأزمة الأمنية بالجزائر، بدأت العمل كأول قابلة بهذه العيادة تعمل دون وجود طبيب النساء ونقص الإمكانيات، من سنة 1994 إلى سنة 1999، بدأت مسيرة المرأة المحفوفة بالمخاطر بهذه المناطق الجبلية التي كانت تشكل معابر للجامعات الإرهابية وأماكن اختبائها.
قالت محدثتنا في هذا السياق، «كنت انقل النساء الحوامل لوحدي في الحالات المستعجلة خاصة، إلى مستشفى باتنة الجامعي ليلا رفقة سائق سيارة الإسعاف الذي كان من بين أفراد الدفاع الذاتي...كنا ننتقل بالسلاح وسط الطرق الجبلية الوعرة للمنطقة ليلا من أجل إنقاذ حياة الحوامل وأطفالهن.
الإنسانية التي كانت تتمتع بها بوعامر وحبها لمهنتها، رغم كل الظروف المحيطة كانعدام طبيب النساء في تلك العيادة، جعلها ترفع التحدي وتخوض غمار المخاطر في الحالات الطبية الحرجة للنساء الحوامل لبعد المستشفيات والضرورة الطبية الآنية، حيث أصبحت تقوم بالأعمال الطبية التي تعد من صميم مهنة الطبيب المختص وتوليد النساء وانقاذ حياة الطفل والأم على حدّ السواء وبكل براعة.
لم يتوقف عطاء هذه السيدة عند هذا الحدّ فقط، بل أصبحت تتنقل، بعد تشجيع والدها لها رحمه الله وهو أحد مساعدي الرئيس الراحل احمد بن بله، إلى المنازل بقمم الجبال هناك لتوليد الأمهات اللائي لا يستطعنّ التنقل إلى العيادة أو إلى المستشفيات وسط التساقط الكثيف للثلوج في عزّ الشتاء، حيث كان التساقط حينها جدّ كثيف يصل معه سمك الثلج إلى مترين.
وقالت بوعامر ردا على سؤال «الشعب» إن كانت قد أخفقت في حالة من الحالات التي عالجتها، «تمكّنت بفضل الله من النجاح في توليد المئات من الأمهات في كل الظروف وفي كل الحالات، وكنت أتدخل لنقص الإمكانات البشرية في كل الإسعافات الطبية الأخرى في حالة الحوادث لتقديم العلاج لمرضى هذه المناطق الذين مازال العديد منهم يزورونني في بيتي نظيرا ما قدمته».
بعد 25 سنة من العطاء، تواصل محدثتنا، وهي حفيدة مجاهد وشهيد لأبيها وأمها على التوالي، مسيرتها المهنية بالإشراف على تسيير العيادة الطبية لطريق باتنة بعاصمة الولاية، أين تقوم كنشاط أساسي لها بعملها كقابلة رئيسية إضافة إلى تتبع حالات تنظيم النسل العائلي بتقديم كل الإرشادات والنصائح للأسر في إطار الأمومة والطفولة وهذا بعدما تحصلت على شهادة أخرى في تخصص التنظيم العائلي من المعهد التكنولوجي للصحة العمومية بقسنطينة.